Saturday, March 31, 2012

تسجيل الأراضي في ظل الانتداب البريطاني




عندما استلمت الإدارة العسكرية البريطانية الحكم في فلسطين، سنة 1918 تم إيقاف جميع المعاملات المتعلقة بملكية الأراضي في فلسطين وإغلاق جميع دوائر الطابو، لأن السلطات التركية عند انسحابها من فلسطين أخذت معها جميع دفاتر الطابو، وقد تمكن الإنجليز فيما بعد من استرداد جزء منها[1]. وفيما بعد تم إعادة فتح دوائر الطابو لتقوم بتسجيل المعاملات العقارية.

وقد اعتبر التسجيل ركناً من أركان عقد بيع العقار في ظل قانون انتقال الأراضي رقم (39) لسنة 1920، حيث تتطلب أية معاملة عقارية الحصول على موافقة خطية من قبل مدير دائرة التسجيل، وإلا اعتبر التصرف باطلاً بطلاناً مطلقاً، ويعاقب كل من يبرم تصرفاً عقارياً خارج دائرة التسجيل بغرامة فقد بينت المادة (4) من قانون انتقال الأراضي لسنة [2]1920 بصورته النهائية المعدلة على شروط صحة التصرف، حيث نصت على انه:
"(1) لا تعتبر معاملة التصرف في الأموال غير المنقولة صحيحة إلا إذا روعيت بشأنها أحكام هذا القانون.
(2) على كل من يرغب في إجراء معاملة تصرف بمال غير منقول أن يحصل أولا على الموافقة الخطية المطلوبة في الفقرة التالية.
(3) للحصول على الموافقة المشار إليها في الفقرة (2) يقتضي تقديم عريضة للمدير بواسطة مكتب تسجيل الأراضي في المكان الواقعة فيه الأرض، تبين شروط معاملة التصرف المراد إجراؤها، ويطلب فيها موافقته على المعاملة.
(4) ترفق هذه العريضة بما يثبت ملكية الناقل، وتتضمن طلبا بتسجيل عقد ينظم تنفيذا لشروط معاملة التصرف.
(5) يجوز أن تتضمن العريضة فقرة تعين العطل والضرر الذي يدفعه الفريق المتخلف عن إنهاء معاملة التصرف بعد التصديق عليها."



أما المادة (11) فقد نصت على أنه:
"(1) تعتبر ملغاة وباطلة كل معاملة تصرف لم تقترن بالموافقة المطلوبة في المادة (4) ويشترط في ذلك أنه يجوز لمن دفع مالا في معاملة تصرف اعتبرت ملغاة وباطلة، أن يسترد ما دفعه بإقامة دعوى لدى المحاكم."

 ونصت المادة (12) من ذات القانون على أنه:
"كل من كان فريقا في معاملة تصرف بمال غير منقول لم تقترن بالموافقة المقتضات في المادة (4) ووضع يده على ذلك المال أو سمح للفريق الآخر بوضع يده عليه سواء بنفسه أو بواسطة شخص آخر بالنيابة عنه، يعتبر أنه ارتكب جرما ويعاقب بغرامة قدرها ربع قيمة المال غير المنقول."[3]

كما وقضت المحكمة العليا في فلسطين المنعقدة بصفتها محكمة استئناف في قرارها رقم 88/1925، بأن الاتفاق على البيع جائز قانونا، لكن إذا أخل البائع بتنفيذ الاتفاق بتسجيله لدى دائرة التسجيل فلا يكون للمشتري إلا أن يطالبه بالتعويض، ولا يستطيع إلزامه على التنفيذ. وبالرغم من أن الباب السابع من نظام محاكم الأراضي لسنة 1921، نص على أن المحاكم ستراعي الحقوق المنصفة بالإضافة إلى المبادئ القانونية في الأراضي ولن تكون ملزمة بأي حكم في القانون العثماني يمنع المحاكم من نظر دعاوى بناءً على مستندات غير مسجلة. وقد أحال القرار إلى تطبيق المحاكم لهذا النص على المعاملات العقارية غير المسجلة حدثت قبل الاحتلال البريطاني بدا فيها من الظروف، مثل نقل الملكية ودفع ثمن الشراء، أن الفريقين قد قصدا أن تكون المعاملة سارية كبيع بدون تسجيل. وأن البيع الخارجي الذي تم خارج دائرة التسجيل قد يكيف بكونه اتفاق بيع يعطي الإمكانية لدعوى مطالبة بالأضرار بسبب الإخلال بالالتزام، ولكن لا مفعول له كمعاملة ناقلة لملكية الأرض.[4]

ومما سبق نلاحظ أن المبدأ الذي تم إتباعه زمن الانتداب البريطاني هو أن البيع وحده لا ينقل ملكية العقار قبل أن يتم الحصول على موافقة مدير دائرة التسجيل، وتنطبق أحكام قانون انتقال الأراضي المذكور على جميع أنواع الأراضي سواء الملك أو الأميرية، كما وتطبق على جميع أنواع التصرفات التي تقع على تلك الأراضي.[5]

وقد أيدت العديد من قرارات المحاكم في ذلك الوقت هذا المبدأ[6]، كما قد قررت أن دفع الويركو[7] وإيصالات دفعه لا تعتبر بينة كافية لإثبات الملكية على الأرض.[8] وقضت محكه التمييز الأردنية على نفس المبدأ معتبرة أن قبض ثمن الأرض لا يخرج الأرض من ملكية صاحبها ما لم تتم معاملة الانتقال بالطريقة الرسمية، أي بتسجيلها لدى دائرة التسجيل.[9]

وإن تم تعديل تطبيق هذا القانون قضائياً زمن الانتداب، بحيث أصبح بإمكان المشتري أن يطالب البائع بتنفيذ الاتفاق بموجب دعوى يرفعها أمام محكمة الأراضي هي دعوي التنفيذ العيني[10] (وسنتحدث عنها لاحقا في هذا البحث).

وقد أجاز قانون تصحيح سجلات الطابو لعام 1920 للمحكمة أن تأمر بإدخال شرح على السجل الخاص بأرض بناءً على طلب المدعي بالمنفعة، إذا قدم لها حكما باتاً يمنحه حق الملكية أو يخوله وضع اليد، أو مستنداً خاصاً، أو إثباتاً على دفع الويركو عن الأرض لمدة 3 سنوات.[11] وقد نصت المادة (43) من قانون تسوية حقوق ملكية الأراضي لسنة 1928[12] على أن تسجيل الأرض في السجل الجديد يبطل أية حقوق أخرى تتعارض مع هذا السجل. وقد تم تطبيق هذا القانون بما يتوافق وسياسة مساعدة المهاجرين اليهود في استيطان فلسطين. حيث أعطى القانون المندوب السامي بتعيين مأموري التسوية الذين من صلاحياتهم إجراء التسوية في المناطق التي يكونون مسؤولين عنها، ويكون لهم سماع المنازعات المتعلقة بالملكية وإصدار القرار فيها، وهذا ساعد على تمكين المهاجرين اليهود من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بطرق قانونية.[13] وقد جاءت جميع قوانين تسوية الأرضي التي لحقته، لترغم الفلسطينيين على بيع أراضيهم، كما انتزعت من القضاء صلاحية النظر في الدعاوى المتعلقة بملكية الأراضي وتصحيح السجلات العقارية، واسند هذا الاختصاص إلى مأمور تسوية الأراضي الذي كان في معظم الأحيان صهيونيا[14]. وكانت قراراته نهائية لا يجوز الطعن فيها إلا بموافقة ذلك المأمور أو رئيس محكمة الأراضي[15]. ولم يكن جائزا الطعن في قرارات محاكم الأراضي التي تنظر في الطعون المقدمة ضد قرارات مأمور التسوية أمام محكمة العدل العليا.

وما بين عامي 1920 و1933، فقد أحدثت حكومة الانتداب نظاما يخول المندوب السامي سلطة تحويل الأراضي الأميرية إلى أراضي ملك أو أراضي متروكة وذلك دون اعتبار لأية أحكام مغايرة في قانون الأراضي العثماني وأية قوانين أخرى خاصة بالأراضي.
وفيما بعد تم السيطرة على الأراضي الأميرية من قبل حكومة الانتداب البريطاني باعتبارها أراضي مجهولة المالكين، والتي انتقلت فيما بعد إلى سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلية[16].


[1] ماجد صلاح الدين الحزماوي، المرجع السابق، صفحة 91.
[2] المنشور في العدد (81) من قوانين فلسطين، مجموعة دريتون، بتاريخ 22/1/1937، صفحة 1001.
[3]  قانون انتقال الأراضي لسنة 1920، مجموعة درايتون، العدد 81، صفحة 1001.
[4] القرار منشور على المقتفي.
[5] سامي حنا سابا، المرجع السابق، صفحة 141.
[6] منها على سبيل المثال لا الحصر، قرارات المحكمة العليا بصفتها محكمة استئناف، رقم (6/1942)، (79/1942)، (12/1942)، (26/1945) وغيرها من القرارات  العديدة.
[7] ضريبة الارض التي تم وضعها في العهد العثماني.
[8] المحكمة العليا بصفتها الاستئنافية، قرار حقوق رقم (124/1944).
[9]  قرار تمييز حقوق رقم 54/72، المبادئ القانونية لمحكة التمييز الأردنية في القضايا الحقوقية، 1971-1975، الجزء الثالث، نقابة المحامين الأردنيين، عمان، صفحة 401.
[10] محكمة عليا بصفتها محكمة استئناف، قرار حقوق رقم 1/1936.
[11] المادة 1،2 من القانون. عن دعيبس المر، المرجع السابق، صفحة152.
[12] المنشور في العدد (80) من قوانين فلسطين، مجموعة دريتون، بتاريخ 22/1/1937، صفحة 971.
[13] Milhem, Firas; The Origins and Evolution of the Palestinian Sources of Law, Thesis submitted to obtain the degree of Doctor of Law, Vrije Universitet Brussel, Faculty of Law, 2004, page 69-70.
[14] المرعشلي، احمد وهاشم، عبد الهادي وصايغ، انيس، الموسوعة الفلسطينية القسم العام، المجلد الثالث، هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، الطبعة الاولى، 1984، صفحة 580.
[15]  المادة (63) من قانون تسوية حقوق ملكية الأراضي لسنة 1928.
[16] أنظر أيضا  موسى البديري، و سليم تماري، و برنارد سابيلا، و عادل الزاغة، المرجع السابق.

التسجيل في ظل القانون العثماني


بعد أن كانت جميع الأراضي في فلسطين مشاعاً، وكانت ملكاً لجميع سكان القرية ومسجلة باسم مجموع سكان القرية، وكان يعاد توزيع الأراضي ما بين الفلاحين بين فترة وأخرى عن طريق القرعة. كان يتم إثبات التصرف بسندات أو أوراق عادية أو بحجج شرعية مصدقة لدى القاضي دون مراقبة منه أو تدقيق في ملكية الأرض. صدر عام 1861 (1275 هـ) نظام الطابو الذي نص على ضرورة تسجيل جميع الأراضي في البلاد، بالإضافة إلى تقسيم جميع أراضي القرية تقسيماً نهائياً وتسجيلها بأسماء الأفراد المالكين، وبالتالي تقسيم وتوزيع أراضي الدولة العثمانية عامة. وقد حذرت المادة (16) من نظام الطابو من التأخر في دفع ضريبة الطابو بحجة تحقيقات الأراضي مما يؤدي إلى إضاعة حقوق أصحاب الأراضي. إلا أن الفلاحين لم يقوموا بتسجيل أراضيهم وفق نظام الطابو الجديد، بل راحوا يسجلون أراضيهم باسم شخص واحد من كبار القرية أو يسلمونها إلى الأوقاف مع استمرارهم بالعمل في تلك الأراضي وذلك لعدة أسباب أهمها:
·        التهرب من دفع الضرائب التي كانت مرتفعة من جهة (الخراج)، وإساءة الولاة في جبايتها.
·        كان نظام التجنيد يلزم القرية بتقديم عددا معينا من الجنود يتناسب مع مساحة الأراضي المسجلة.
ونتيجة لذلك فقد الكثير من الفلاحين أراضيهم، حيث قامت الدولة العثمانية بمصادرة تلك الأراضي وبيعها بالمزاد العاني بأسعار متدنية لأعيان المدن، أو احتفظت بها واعتبرتها أراض أميرية[1].

لقد تبنى نظام الطابو المذكور، نظام التسجيل العيني كأصل عام، وكان غاية في الدقة من خلال إفراد صحيفة خاصة في السجل العقاري لكل وحدة عقارية مع الأخذ ببعض خصائص نظام التسجيل الشخصي كالاعتراف للقضاء بصلاحية إلغاء قيود الطابو[2]، بجانب الاعتراف بالتقادم أي بمرور الزمن بالنسبة للعقارات المقيدة في السجلات العقارية[3].

منذ صدور قانون الأراضي ونظام الطابو وتعليمات بشأن الطابو فقد أصبحت دوائر الطابو وحدها المختصة بإعطاء سندات التصرف بالأراضي، ولا يجوز التصرف بالأرض دون سند الطابو [4]. ثم صدر قانون التصرف بالأموال غير المنقولة لسنة 1331هـ فحظر في مادته الأولى على المحاكم النظامية والشرعية والجهات الحكومية الأخرى سماع دعوى المتصرف دون سند طابو. اعتبرت منعدمة التصرفات العقارية ما لم تكن قد تم تسجيلها بدوائر التسجيل المختصة التي يقع في دائرتها المال غير المنقول وصدر بها سند مثبت لذلك[5]، كما واعتبرت عدم يجوز استماع دعوى في المحاكم الشرعية أو النظامية وإجراء أي معاملة كانت في دوائر الحكومة بحق الأراضي التي لا يكون فيها سند خاقاني. كذلك فقد اعتبر شرط إذن مأمور التسجيل لفراغ الأرض متوفراً بمجرد إجراء معاملة الفراغ (البيع) أمام دوائر الطابو.

وقد تفسر الأحكام السابقة على أن بيع الأرض خارج دوائر الطابو كان غير معتبراً، غير أن محكمة التمييز في القسطنطينة اتخذت قراراً بينت فيه أن بيع الأرض خارج دائرة الطابو يعتبر "بيعاً قانونياً تماماً إلا أن هذا البيع لا يفيد بطبيعة الحال قِبَل سند ملكية مسجل".[6] أي أن محكمة التمييز قد اعتبرت البيع الخارجي الذي لا يتم تسجيله في دائرة الطابو، بيعاً صحيحاً ملزماً لفريقيه بجميع الالتزامات القانونية، ولكن إذا تم الاعتراض على ذلك البيع بسند ملكية رسمي (صادراً من دائرة الطابو) فإن هذا السند هو الذي يعتبر ويؤخذ به.

ولكن هل سندات الطابو لها ذات القوة في الإثبات كالتي نصت عليها مجلة الأحكام العدلية لقيود الدفتر ألخاقاني؟

لقد اجمع الفقهاء وأيدت محكمة التمييز الأردنية رأيهم، والذي يعتبر سندات الطابو وإن كانت سندات رسمية إلا أنها في منزلة أقل في الإثبات من قيود الدفتر ألخاقاني، حيث يجوز معارضتها ببينة خطية.[7]

ومن ابرز أحكام التصرف في العقارات المعروفة في العهد العثماني هو ما نصت عليه المادة (37) من قانون الأراضي لعام 1274 هـ من أن فراغ الأرض الأميرية دون أن يتمكن المشتري من إصدار سند تسجيل باسمه فيه بسبب وفاة البائع يعتبر صحيحا ويؤخذ به، وذلك لكون إذن مأمور التسجيل كان يعد كافيا في فراغ الأرض الأميرية.

   مرحلة الانتداب البريطاني
بعد أن تسنى للجيش البريطاني بسط نفوذه على كامل الأراضي عام 1917، وبدء الإدارة العسكرية البريطانية بسن القوانين المختلفة في شتى نواحي حياة الشعب الفلسطيني، ومن بينها ما نظم المعاملات العقارية، وطرق تسجيل التصرفات العقارية.
إلا أن حكومة الانتداب عند سنها لتلك الأنظمة والقوانين، لم تراع مصالح السكان العرب الفلسطينيين، بل كانت أهدافها استعمارية، حيث كان الهدف الأسمى لديها هو إيجاد الوطن القومي لليهود في فلسطين، وبالتالي اعتمدت على قوانين الأراضي والمعاملات العقارية وتنظيمها بما يضمن لها تحقيق هذا الهدف، ويسهل نقل ملكية أكبر قدر من أراضي فلسطين إلى اليهود. ومما يسر وسهل تحقيق ذلك هو أنه عند دخول الجيش البريطاني إلى فلسطين، وانسحاب العثمانيين منها فان السلطات العثمانية قد أخذت معظم سجلاتهم المتعلقة بالأراضي، مما أدى إلى ضياع حقوق العديد من سكان فلسطين.


[1] موسى البديري، و سليم تماري، و برنارد سابيلا، و عادل الزاغة، المجتمع الفلسطيني، دار الأسوار، عكا، 1990، صفحة 19-22.
[2] سالم حمادة الدحدوح، المرجع السابق، صفحة 47،79
[3] قانون التصرف بالأموال غير المنقولة لسنة 1331 هــ.
[4] دعيبس المر، المرجع السابق، صفحة15.
[5]  سالم حمادة الدحدوح، المرجع السابق، صفحة 52.
[6] سامي حنا سابا، المرجع السابق، صفحة 140.
[7] دعيبس المر، المرجع السابق، صفحة 93.

انتقال حق الانتفاع من الإيجار في القانون الأردني

المحاميان: د.حمزة أبو عيسى  و د.عبد الله الخصيلات يعني انتقال حق الانتفاع من عقد الإيجار أن يحل شخص آخر محل المستأجر الذي...