بعد أن كانت جميع الأراضي في فلسطين مشاعاً، وكانت ملكاً لجميع سكان القرية ومسجلة باسم مجموع سكان القرية، وكان يعاد توزيع الأراضي ما بين الفلاحين بين فترة وأخرى عن طريق القرعة. كان يتم إثبات التصرف بسندات أو أوراق عادية أو بحجج شرعية مصدقة لدى القاضي دون مراقبة منه أو تدقيق في ملكية الأرض. صدر عام 1861 (1275 هـ) نظام الطابو الذي نص على ضرورة تسجيل جميع الأراضي في البلاد، بالإضافة إلى تقسيم جميع أراضي القرية تقسيماً نهائياً وتسجيلها بأسماء الأفراد المالكين، وبالتالي تقسيم وتوزيع أراضي الدولة العثمانية عامة. وقد حذرت المادة (16) من نظام الطابو من التأخر في دفع ضريبة الطابو بحجة تحقيقات الأراضي مما يؤدي إلى إضاعة حقوق أصحاب الأراضي. إلا أن الفلاحين لم يقوموا بتسجيل أراضيهم وفق نظام الطابو الجديد، بل راحوا يسجلون أراضيهم باسم شخص واحد من كبار القرية أو يسلمونها إلى الأوقاف مع استمرارهم بالعمل في تلك الأراضي وذلك لعدة أسباب أهمها:
· التهرب من دفع الضرائب التي كانت مرتفعة من جهة (الخراج)، وإساءة الولاة في جبايتها.
· كان نظام التجنيد يلزم القرية بتقديم عددا معينا من الجنود يتناسب مع مساحة الأراضي المسجلة.
ونتيجة لذلك فقد الكثير من الفلاحين أراضيهم، حيث قامت الدولة العثمانية بمصادرة تلك الأراضي وبيعها بالمزاد العاني بأسعار متدنية لأعيان المدن، أو احتفظت بها واعتبرتها أراض أميرية[1].
لقد تبنى نظام الطابو المذكور، نظام التسجيل العيني كأصل عام، وكان غاية في الدقة من خلال إفراد صحيفة خاصة في السجل العقاري لكل وحدة عقارية مع الأخذ ببعض خصائص نظام التسجيل الشخصي كالاعتراف للقضاء بصلاحية إلغاء قيود الطابو[2]، بجانب الاعتراف بالتقادم أي بمرور الزمن بالنسبة للعقارات المقيدة في السجلات العقارية[3].
منذ صدور قانون الأراضي ونظام الطابو وتعليمات بشأن الطابو فقد أصبحت دوائر الطابو وحدها المختصة بإعطاء سندات التصرف بالأراضي، ولا يجوز التصرف بالأرض دون سند الطابو [4]. ثم صدر قانون التصرف بالأموال غير المنقولة لسنة 1331هـ فحظر في مادته الأولى على المحاكم النظامية والشرعية والجهات الحكومية الأخرى سماع دعوى المتصرف دون سند طابو. اعتبرت منعدمة التصرفات العقارية ما لم تكن قد تم تسجيلها بدوائر التسجيل المختصة التي يقع في دائرتها المال غير المنقول وصدر بها سند مثبت لذلك[5]، كما واعتبرت عدم يجوز استماع دعوى في المحاكم الشرعية أو النظامية وإجراء أي معاملة كانت في دوائر الحكومة بحق الأراضي التي لا يكون فيها سند خاقاني. كذلك فقد اعتبر شرط إذن مأمور التسجيل لفراغ الأرض متوفراً بمجرد إجراء معاملة الفراغ (البيع) أمام دوائر الطابو.
وقد تفسر الأحكام السابقة على أن بيع الأرض خارج دوائر الطابو كان غير معتبراً، غير أن محكمة التمييز في القسطنطينة اتخذت قراراً بينت فيه أن بيع الأرض خارج دائرة الطابو يعتبر "بيعاً قانونياً تماماً إلا أن هذا البيع لا يفيد بطبيعة الحال قِبَل سند ملكية مسجل".[6] أي أن محكمة التمييز قد اعتبرت البيع الخارجي الذي لا يتم تسجيله في دائرة الطابو، بيعاً صحيحاً ملزماً لفريقيه بجميع الالتزامات القانونية، ولكن إذا تم الاعتراض على ذلك البيع بسند ملكية رسمي (صادراً من دائرة الطابو) فإن هذا السند هو الذي يعتبر ويؤخذ به.
ولكن هل سندات الطابو لها ذات القوة في الإثبات كالتي نصت عليها مجلة الأحكام العدلية لقيود الدفتر ألخاقاني؟
لقد اجمع الفقهاء وأيدت محكمة التمييز الأردنية رأيهم، والذي يعتبر سندات الطابو وإن كانت سندات رسمية إلا أنها في منزلة أقل في الإثبات من قيود الدفتر ألخاقاني، حيث يجوز معارضتها ببينة خطية.[7]
ومن ابرز أحكام التصرف في العقارات المعروفة في العهد العثماني هو ما نصت عليه المادة (37) من قانون الأراضي لعام 1274 هـ من أن فراغ الأرض الأميرية دون أن يتمكن المشتري من إصدار سند تسجيل باسمه فيه بسبب وفاة البائع يعتبر صحيحا ويؤخذ به، وذلك لكون إذن مأمور التسجيل كان يعد كافيا في فراغ الأرض الأميرية.
مرحلة الانتداب البريطاني
بعد أن تسنى للجيش البريطاني بسط نفوذه على كامل الأراضي عام 1917، وبدء الإدارة العسكرية البريطانية بسن القوانين المختلفة في شتى نواحي حياة الشعب الفلسطيني، ومن بينها ما نظم المعاملات العقارية، وطرق تسجيل التصرفات العقارية.
إلا أن حكومة الانتداب عند سنها لتلك الأنظمة والقوانين، لم تراع مصالح السكان العرب الفلسطينيين، بل كانت أهدافها استعمارية، حيث كان الهدف الأسمى لديها هو إيجاد الوطن القومي لليهود في فلسطين، وبالتالي اعتمدت على قوانين الأراضي والمعاملات العقارية وتنظيمها بما يضمن لها تحقيق هذا الهدف، ويسهل نقل ملكية أكبر قدر من أراضي فلسطين إلى اليهود. ومما يسر وسهل تحقيق ذلك هو أنه عند دخول الجيش البريطاني إلى فلسطين، وانسحاب العثمانيين منها فان السلطات العثمانية قد أخذت معظم سجلاتهم المتعلقة بالأراضي، مما أدى إلى ضياع حقوق العديد من سكان فلسطين.
[1] موسى البديري، و سليم تماري، و برنارد سابيلا، و عادل الزاغة، المجتمع الفلسطيني، دار الأسوار، عكا، 1990، صفحة 19-22.
[2] سالم حمادة الدحدوح، المرجع السابق، صفحة 47،79
[3] قانون التصرف بالأموال غير المنقولة لسنة 1331 هــ.
[4] دعيبس المر، المرجع السابق، صفحة15.
[5] سالم حمادة الدحدوح، المرجع السابق، صفحة 52.
[6] سامي حنا سابا، المرجع السابق، صفحة 140.
[7] دعيبس المر، المرجع السابق، صفحة 93.
No comments:
Post a Comment