لمحة تاريخية: ــ
يندرج مفهوم حماية حقوق المؤلف ضمن ما يعرف "بالملكية الفكرية"، والتي هي عبارة عن كل ما يتوصل إليه العقل الإنساني من إبداع وابتكار في مجالات العلم والفن والأدب والتي تظهر في شكل مؤلفات، ومخترعات، وعلامات تجارية، تحول لصاحبها الحف في امتلاكها والاستفادة بما تدره من عوائد مقابل بيعها أو الانتفاع بها. وقد حرصت الدول منذ زمن طويل على إصدار القوانين الملزمة لحماية ثمرة ونتاج العقول المبدعة على النطاق الوطني. ثم امتدت هذه الحماية إلى أرجاء المعمورة. حيث عمدت الدول المتقدمة إلى حماية حقوقها وحقوق مواطنيها، المرتبطة بالملكية الفكرية، وذلك عن طريق إبرام العديد من الإتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف، بهدف حماية هذه الحقوق على إختلاف أشكالها وصورها. ومن الأمثلة على هذه الإتفاقيات:-
1- إتفاقية باريس لحقوق الملكية الصناعية لعام 1883.
2- إتفاقية برن للمصنفات الفنية والأدبية لعام 1886.
3- إتفاقية مدريد، ولائحتها التنفيذية الخاصة بالتسجيل الدولي.
وغيرها من الاتفاقيات الأخرى في هذا المجال.
واستجابة لتوجيهات إتفاقتي باريس لعام 1883 وتعديلاتها، وبرن لعام 1886 وتعديلاتها، تأسست في 14 يوليو 1967 المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) والتي دخلت حيز النفاذ في 26 إبريل 1970، ثم خصصتها منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1974 كوكالة دولية تختص بحماية الحقوق الفنية والأدبية والأعمال العلمية في بلدان أعضائها البالغ عددهم خلال عام 1995 مئة وخمسة وخمسين دولة. ولكن يبدو أن تسارع التطور العلمي والتكنولوجي والتصارع على إمتلاك مقوماته خلسة وعلانية من جانب كل المجتمعات البشرية بلا إستثناء قد حفز زعماء هذه التكنولوجيا وهي بلا جدال من الدول المتقدمة على التصدي للإنتقال غير المشروع لمقومات هذا التطور من إختراعات وأفكار وعلامات تجارية أو صناعية بما فيه من هدر واستنزاف لحقوق ملكيتها الفكرية بعد أن بان عجز التنظيمات الدولية المعنية عن الوفاء بتعهداتها للحفاظ على تلك الحقوق وفي ظل إستفحال خطر الغش التجاري، و انتشار ظاهرة البضائع المقلدة وما تسببه من خسائر فادحة لشركات المنتج الأصلي وكان منطقياً أن تجأر الدول المتأثرة بإنتهاكات حقوق الملكية الفكرية بالشكوى من ضعف إجراءات مجابهة هذه الإنتهاكات، وأن تظهر حاجتها الملحة لحماية حقوقها في إطار آلية دولية متعددة الأطراف تمتاز بالفاعلية وقوة التأثير عما هو قائم من ترتيبات وتنظيمات دولية أخرى، وتكون قادرة على إنقاذ مجالات الملكية الفكرية من أخطار ثلاثة تتعلق بالجزاءات والعقوبات على المنتهكين وحالات الغش التجاري وتقليد العلامات التجارية بالإضافة إلى حرص على حماية حقوق الدول صاحبة التقنيات العالية.
وهكذا فإن الدول الصناعية المتقدمة وجدت نفسها مدفوعة للمطالبة بإدراج موضوع حماية حقوق الملكية الفكرية ضمن مفاوضات الأوروجواي. ورغم معارضة الدول النامية لموضوع إدراج حقوق الملكية ضمن إتفاقية الجات. غير أنها لم تنجح في الحيلولة دون ذلك. وإنتهت جولة مفاوضات أورجواي بالتوصل إلى إتفاقية شاملة حول الجوانب المتعلقة بالتجارة في حقوق الملكية الفكرية.واصطلح على تسمية هذه الاتفاقية اختصارا " بالتربس" (Treps).
وصيغت موادها ال73 في أجزاء سبعة تناولت حقوق التأليف (المؤلف) والطبع الحقوق المرتبطة بها، والعالمات التجارية، والمؤشرات الجغرافية، والتصميمات الصناعية، وبراءات الإختراع، وتصميم رسومات الدوائر المتكاملة وحماية الأسرار التجارية غير المعلن عنها.......لخ.
حماية حقوق المؤلف (Copyrights): ــ
سبق وأن تناولت هذا الحق اتفاقية برن لعام 1886 المعدلة عام 1971 الخاصة بحماية المصنفات الأدبية والفنية. حيث أكدت على المستوى الدولي، سواء تلك التي تعتبر حقوقاً مادية كالحق في الطبع والنشر والترجمة، وتحويل العمل إلى فيلم سينمائي، وتلك التي تعتبر حقوقاُ معنوية، كالحق في نسبة العمل إليه، وحقه في الإعتراض على أي تحريف أو تعديل أو إختصار يخل بمضمون العمل أو آرائه، أو يؤدي إلى المساس بسمعته وكرامته.
ولم تلغ إتفاقية التربس ما جاء بإتفاقية برن المشار إليها، بل بالعكس من ذلك فقد ألزمت الدول الأعضاء بموجب المادة التاسعة منها بتنفيذ الأحكام المنصوص عليها في المواد من 1-21 من تلك المعاهدات وتعديلاتها 1971، وذلك فيما يتعلق بالحقوق المادية للمؤلف. وهذا يعني أن إتفاقية برن أصبحت أحكامها تسري في مواجهة الدول التي صادقة على إتفاقية الجات1994. بصرف النظر عما إذا كانت هذه الدول سبق لها الإنضمام إلى إتفاقية برن أم لا. وذلك فيما عدا نص المادة السادسة من هذه الإتفاقية التي تم استبعدها من نطاق الالتزامات بإعتبار أنها تتعلق بحقوق المؤلف الأدبية. في حين أن مجالات الحماية قد إقتصرت على حق المؤلف المادية.
وقد استحدثت التربس أحكاماً خاصة بها لتنظيم حقوق المؤلف تضاف إلى ما أحالت إليه من أحكام معاهدة برن (1971م)، وهي:
1- قصر حماية حقوق المؤلف على النتاج أو التعبير، وليس على مجرد الأفكار أو أساليب العمل أو المفاهيم الرياضية.
2- قصر حماية برامج الحاسوب (الكمبيوتر) على تلك المكونة من بيانات مجمعة أو مواد أخرى يشكل انتقاؤها أو ترتيب محتوياتها خلقاً فكرياً يتسم بالجدة والإبتكار، ولا تشمل هذه الحماية البيانات أو المواد في حد ذاتها، فالمضمون أياً كان نوعه يندرج في عداد التأليف بالشروط اللازم توافرها فيه وعندئذ تنسحب عليه حماية أخرى هي لحقوق مؤلف البيانات أو المواد الداخلة في تكوين البرنامج.
3- كما نصت الإتفاقية على أن برامج الكمبيوتر، سواء كانت شيفرة مصدرية أو شيفرة مستهدفة، فإنها تتمتع بالحماية باعتبارها مصنفات فنية بموجب اتفاقية برن (1971). ويؤكد نص هذه المادة وجوب حماية برامج الحاسب الآلي باعتبارها من حقوق المؤلف على أن تطبق عليها أيضاً أحكام اتفاقية برن فى شأن المصنفات الفنية. وتؤكد أيضاً أن الشكل الذي يقترن به البرنامج، سواء كان شيفرة مصدرية أو شيفرة المستهدفة، يؤثر على الحماية. واقتضاء حماية برامج الحاسبات الآلية كمصنفات فنية يعنى مثلاً أن القيود المفروضة على المصنفات الفنية هي فقط الممكن تطبيقها على برامج الكومبيوتر. كما يؤكد النص على تطبيق المفهوم العام لاصطلاح الحماية المعمول به منذ خمسين سنة على برامج الكومبيوتر. ويجوز عدم تطبيق بعض الشروط التي يقصر تطبيقها على أعمال التصوير الفوتوغرافي والفنون التطبيقية.
4- إلزام البلدان الأعضاء التي تكثر من وضع قيد على حقوق المؤلف رعاية للمصلحة العامة في نشر العلم والثقافة كما هو الحال في البلدان النامية، بقصر هذه القيود على حالات خاصة معينة لا تمس الإستغلال المعتاد المصنف، ولا تتسبب في إلحاق أضرار غير معقولة بالمصالح المشروعة لأصحاب الحقوق.
5- فإن الحماية هي مدة حياة المؤلف وخمسين سنة بعد وفاته. والفقرات من 2 إلى4 من هذه المادة تحديداً تجيز مدداً أقصر في بعض الحالات. وهذه الأحكام تكملها المادة 12 من اتفاقية التربس، التي تنص على أنه عند حساب مدة حماية عمل من الأعمال، خلاف الأعمال الفوتوغرافية أو الأعمال الفنية التطبيقية، على أساس آخر غير مدة حياة الشخص الطبيعي، يجب ألا تقل هذه المدة عن 50 سنة اعتباراً من نهاية السنة التقويمية التي أجيز فيها نشر تلك الأعمال. وفى حالة عدم وجود ترخيص بالنشر تكون مدة الحماية في غضون 50 سنة من إنتاج العمل المعنى،50 سنة اعتباراً من نهاية السنة التقويمية التي تم فيها إنتاجه. \
6- الأحكام الخاصة بحماية المؤدين ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة تتضمنها المادة 14. وبموجب المادة 14,1، يحق للمؤدين منع النسخ غير المصرح به لتسجيلاتهم ( من ذلك على سبيل المثال نسخ عمل موسيقى حي). وحق النسخ يمتد إلى النسخ المنطوق دون النسخ السمعي والمرئي. كما يجوز للمؤدين منع نسخ هذه التسجيلات. ويحق لهم أيضاً منع البث الحي دون ترخيص لأدائهم بالوسائل اللاسلكية ونقله للجمهور.
7- يحق للهيئات الإذاعية بموجب المادة 14/3، أن تحظر الأفعال التالية إذا ما تمت دون ترخيص منها: تسجيل الأعمال الإذاعية وعمل نسخ من هذه التسجيلات، وإعادة البث عبر الوسائل اللاسلكية ونقل هذه المواد للجمهور عبر التليفزيون. وحيث لا تمنح الدول الأعضاء هذه الحقوق لهيئات الإذاعة، فإنها تلتزم بمنح مالكي حقوق المؤلف بالنسبة للمادة موضوع البث إمكانية منع الأفعال المذكورة أعلاه في ظل أحكام معاهدة برن.
8- حق منتجي التسجيلات الصوتية في إجازة أو منع التأجير التجاري للتسجيلات الصوتية. وقد حددت المادة الربعة عشرة من إتفاقية التربس مدة الحماية المقررة لأعمال المؤدين ومنجي التسجيلات الصوتية بخمسين عاماً تبدأ من نهاية سنة التسجيل أو الأداء الأصلي. أم هيئات الإذاعة فلا يجوز لها التمسك بالحق الوارد في الفقرة الثالثة لأكثر من عشرين سنة تبدأ من نهاية سنة حصول بث المادة المعنية.
9- حق المؤدين في التسجيلات الصوتية في منع تسجيل أدائهم غير المسجل أو نسخه أو بثه على الهواء دون ترخيص منهم. بالإضافة إلى حق منتجي التسجيلات الصوتية في إجازة أو منع النسخ المباشر أو غير المباشر لتسجيلاتهم الصوتية.
10- وتنص المادة 14/6 على أنه يجوز لأي دولة عضو، فيما يتعلق بحماية المؤدين ومنتجى التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة، النص على شروط أو قيود أو استثناءات أو تحفظات إلى الحد الذي تسمح به إتفاقية روما.
إعداد: المحامي اسكندر سلامة
nice man
ReplyDelete